كيف أثر غياب خطة “لليوم التالي” على الحرب في غزة؟

0 minutes, 26 seconds Read
حطام منزل في غزة

صدر الصورة، Getty Images

  • Author, سمية نصر
  • Role, بي بي سي نيوز عربي
  • 22 مايو/ أيار 2024

أدت عودة الجيش الإسرائيلي مؤخرا إلى مناطق كان قد انسحب منها في شمال قطاع غزة إلى إثارة مزيد من التساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تملك استراتيجية واضحة بشأن الحرب والمرحلة التالية لها، وحول واقعية هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على حركة حماس.

إذ تجددت المعارك الضارية في مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة، وكذلك في حي الزيتون بمدينة غزة، قبل أن تنسحب منه قوات الجيش الإسرائيلي مرة أخرى.

يأتي ذلك بينما دخلت الحرب شهرها الثامن، مسفرة عن مقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني، بحساب وزارة الصحة الفلسطينية التابعة لحماس، وتدمير ما لا يقل عن نصف مباني القطاع، وفق الأمم المتحدة.

كما أن حركة حماس لا تزال تحتجز أكثر من 100 من الرهائن الإسرائيليين منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي أسفر عن مصرع نحو 1200 إسرائيلي وفق الخارجية الإسرائيلية. ولا توجد أي بادرة على نجاح جهود الوساطة الرامية إلى وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

استراتيجية "غير مترابطة" وأهداف "غير قابلة للتحقيق"

يرى كثير من منتقدي الحكومة الإسرائيلية أن غياب استراتيجية واضحة لعملياتها العسكرية أدى إلى عدم تحقيق هدفيها الرئيسيين المعلنين، المتمثلين في القضاء على حركة حماس وتحرير الرهائن الذين تحتجزهم.

يصف الخبير العسكري البريطاني البروفيسور مايكل كلارك، الأستاذ الزائر بقسم الدراسات الحربية بجامعة كينغز كوليدج لندن، الاستراتيجية العسكرية للجيش الإسرائيلي بأنها "غير مترابطة".

ويقول في تصريحات لبي بي سي نيوز عربي إن "الانسحاب [من المناطق التي سبق وسيطرت عليها القوات الإسرائيلية في غزة] لم يكن منطقيا، اللهم إلا لإعادة جنود الاحتياط لمساعدة اقتصاد البلاد المتعثر. والآن بدأت حماس في العودة إلى المناطق التي كانت القوات الإسرائيلية قد أخرجتها منها، ما يعني أن الاستراتيجية الأصلية أثبتت فشلها. وكان على الجيش أن يختار ما بين انتهاج استراتيجية مكافحة التمرد أو استراتيجية مكافحة الإرهاب، أو استراتيجية الغزو/الاحتلال المباشر، فانتهج الاستراتيجيات الثلاث بشكل جزئي يشوبه القصور".

سيدة وخمسة أطفال يحملون ما تمكنوا من حمله من أمتعتهم، وقد نزحوا من مخيم جباليا للاجئين

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، فلسطينيون تركوا مخيم جباليا للاجئين متجهين إلى غرب قطاع غزة بعد غارة جوية مكثفة شنها الجيش الإسرائيلي على المخيم في 13 مايو/أيار
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة

يستحق الانتباه

يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

وتدلل عودة القوات الإسرائيلية إلى مناطق كانت قد أعلنت أنها هزمت حماس فيها على أن القضاء على الحركة ليس بالأمر السهل.

يشير بعض المحللين إلى أن ثمة قدرا من التأييد أو الخوف، أو كليهما، بين سكان القطاع يكفي لتمكين حماس من أن تنشط مرة أخرى في المناطق التي خرجت منها القوات الإسرائيلية.

ومع ارتفاع عدد ضحايا الحرب من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال، صارت حتى أقرب حلفاء إسرائيل، الولايات المتحدة، تنتقد التكتيكات الإسرائيلية للحرب، إذ قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنها أدت إلى "خسارة مروعة في أرواح المدنيين الأبرياء" ولكنها أخفقت في تحييد قادة حماس ومقاتليها، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد القتال.

كما صرح نائب وزير الخارجية الأمريكي كرت كامبل بأن بلاده لا ترى أن الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية ضد حماس ستؤدي إلى "نصر شامل" على الحركة: "أحيانا عندما نستمع إلى القادة الإسرائيليين، نجدهم يتحدثون بالأساس عن فكرة إحراز نصر ساحق في المعركة، نصر شامل. لا أظن أننا نصدق أن ذلك من المرجح، أو من الممكن، أن يحدث".

ويقول فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد بجامعة لندن في تصريحات لبي بي سي نيوز عربي إن "هناك شبه إجماع على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صعد إلى منطقة عالية إلى الغاية من الشجرة ومن الصعب عليه النزول الآن. الأهداف التي وضعها غير قابلة للتحقيق، حتى القيادات العسكرية والمدنية الأمريكية تقول إن الاستراتيجية الإسرائيلية التي تشدد على النصر المطلق هي مستحيلة".

لا توجد خطة "لليوم التالي"

في مؤتمر صحفي عُقد مؤخرا، شدد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان على أن "أي عملية عسكرية ينبغي أن تكون مرتبطة بمرحلة نهائية تجيب على السؤال التالي: ماذا سيحدث لاحقا؟ نريد نتيجة تتضمن فتح صفحة جديدة".

تحدث المسؤولون الأمريكيون على مدى شهور عن أهمية وضع خطة للمرحلة التي ستلي وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب في غزة، أو ما يطلق عليه سيناريو "اليوم التالي".

وحث بلينكن إسرائيل مؤخرا على تقديم خطة واضحة لمستقبل غزة، محذرا من "الفوضى والفراغ" اللذين "سينتجان على الأرجح" عن غياب تلك الخطة. كما حث سوليفان نتنياهو مرة أخرى على ربط الحرب بـ"استراتيجية سياسية" لمستقبل غزة، وذلك أثناء لقائه به في القدس الأحد الماضي.

رئيس الوزراء نتنياهو ومستشار الأمن القومي الأمريكي أثناء لقائهما في القدس الأحد 19 مايو/أيار

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، حث سوليفان نتنياهو مجددا على ربط الحرب بـ"استراتيجية سياسية" لمستقبل غزة، أثناء اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي الأحد الماضي

وفي تصريحات لـ بي بي سي عربي، وصف البروفيسور دانيال بايمان، مدير برنامج الدراسات الأمنية بكلية الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون الأمريكية، غياب استراتيجية ما بعد الحرب بأنه مشكلة ضخمة.

وأضاف بايمان أن "إسرائيل وضعت لنفسها أهدافا طموحة وغير واقعية في البداية ("تدمير حماس") من دون أن تدرك الحاجة إلى أن يكون هناك شكل من أشكال الحكم في غزة، وهو أمر ضروري لاستبدال حماس. وسيتطلب ذلك مجهودات عسكرية للاحتفاظ بالأرض ودعم الحكومة الجديدة هناك لضمان عدم عودة حماس، كما حدث في جباليا. ويتطلب الأمر أيضا خطوات سياسية لتعزيز السلطة الفلسطينية التي تعد، رغم عيوبها، أفضل خيار لحكومة جديدة في غزة".

وهذا هو الخيار الذي تؤيده إدارة الرئيس بايدن، التي طالبت بأن تحكم السلطة الفلسطينية كلا من قطاع غزة والضفة الغربية.

بيد أن نتنياهو أعلن أن إسرائيل ستسيطر على غزة "إلى أجل غير مسمى"، ورفض أن تلعب السلطة الفلسطينية أي دور في غزة، وكرر مؤخرا قوله إنه ليس مستعدا لاستبدال "حماستان بفتحستان" في إشارة إلى حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين.

وفي إسرائيل ذاتها، وجهت قيادات عسكرية إسرائيلية انتقادات علنية لنتنياهو لعدم وضعه استراتيجية واضحة لما بعد الحرب. كما اتسعت هوة الخلافات السياسية داخل الحكومة الإسرائيلية حول مستقبل القطاع.

ذكرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن القناة 13 بالتلفزيون الإسرائيلي نسبت إلى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي قوله: "إننا نعمل مرة أخرى داخل جباليا. طالما أنه ليست هناك عملية دبلوماسية لتشكيل هيئة تحكم القطاع غير حماس، سنضطر إلى تنفيذ حملات عسكرية مرارا وتكرارا في أماكن أخرى لتفكيك البنية التحتية لحماس"، مضيفا أن ذلك سيكون مهمة "شاقة وغير مثمرة".

حث كل من وزير الدفاع يوآف غالانت (وسط) والوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس (يمين) نتنياهو على الإعلان عن خطة واضحة لمرحلة ما بعد الحرب

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، حث كل من وزير الدفاع يوآف غالانت (وسط) والوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس (يمين) نتنياهو على الإعلان عن خطة واضحة لمرحلة ما بعد الحرب

وفي الأسبوع الماضي، انتقد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت نتنياهو بشدة بسبب عدم إعلانه عن خطة واضحة لما بعد الحرب، محذرا من أن التردد لن يؤدي سوى إلى خيارين سيئين فقط: إما أن تحكم حماس القطاع، وإما أن يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي. وأضاف أن أيا من الخيارين سيؤدي إلى "تقويض إنجازاتنا العسكرية وتخفيف الضغط على حماس وتخريب فرص التوصل إلى إطار لإطلاق سراح الرهائن".

ثم هدد الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس السبت الماضي بالاستقالة ما لم توافق الحكومة على خطة مكونة من ست نقاط لفترة ما بعد الحرب بحلول الثامن من يونيو/حزيران.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يزال مصرا على موقفه، إذ صرح بأن الحديث عن اليوم التالي للحرب في غزة لا جدوى منه ما دامت حماس قائمة، وأنه لا بديل عن الانتصار العسكري لأن ذلك سيعني "هزيمة إسرائيل" و"إقامة دولة فلسطينية"، وهو أمر يعارضه.

كان نتنياهو قد أعلن في وقت سابق أن أي مناقشات لمستقبل الحكم في غزة مجرد "كلام فارغ" طالما بقيت حماس في القطاع.

عمليات عسكرية "ضعيفة"

كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الأسبوع الماضي أنه بينما يحق للقادة العسكريين الإسرائيليين إلقاء اللوم على نتنياهو في ضياع ما حققوه من مكاسب تكتيكية في غزة بسبب غياب استراتيجية واضحة للحرب وما بعدها، فإنه كان ينبغي عليهم أن يواجهوه بذلك قبل دخول القطاع، وأضافت أنهم يتحملون جزءا من اللوم.

يتفق البروفيسور كلارك مع هذا الرأي، إذ يرى أن "نتنياهو يتحمل المسؤولية بالأساس لافتقاره إلى أي استراتيجية سياسية، لكن هناك أيضا عيوبا في أسلوب عمل قوات الجيش تتمثل في ضعف مفاهيمها العملياتية، وأسلوب الاستهداف الذي تنتهجه والذي يتسم بعدم الاكتراث".

يقول نقاد نتنياهو إن قراراته بشأن الحرب متأثرة بشكل كبير برغبته في الحفاظ على ائتلافه الحاكم. فالائتلاف يضم اثنين من أحزاب اليمين المتطرف بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير – اللذين يرغبان في إعادة إنشاء مستوطنات يهودية في غزة بعد انتهاء الحرب، وأن تكون لإسرائيل سيطرة شاملة على القطاع، ولذا فإن نتنياهو، برأي هؤلاء النقاد، يرفض وضع خطة واضحة لما بعد الحرب ويرفض الاقتراح الأمريكي القاضي بتولي السلطة الفلسطينية حكم القطاع إرضاء للوزيرين – اللذين إذا انسحبا من الائتلاف سينهار.

إيتمار بن غفير (يسار) وبتسلئيل سموتريتش (يمين)

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، يرغب شريكا نتنياهو في الائتلاف الحاكم، إيتمار بن غفير(يسار) وبتسلئيل سموتريتش، وكلاهما ينتمي إلى تيار اليمين المتطرف، في إعادة إنشاء مستوطنات يهودية في غزة

وربما يكون غالانت قد ألمح إلى ذلك عندما حث نتنياهو على وضع "الأولويات الوطنية فوق كل الاعتبارات، حتى إذا كان من المحتمل أن تكون لها تكلفة على المستوى الشخصي أو السياسي".

وينفى رئيس الوزراء الإسرائيلي صحة تلك الاتهامات، ويصر على أن هدفه هو تحقيق نصر شامل على حماس قبل الحديث عن اليوم التالي للحرب.

ويقول البروفيسور جرجس إنه من شبه المستحيل تحقيق نصر مطلق على حماس لأنها "ليست جيشا تقليديا، بل حركة عسكرية واجتماعية وسياسية متجذرة في حاضنة شعبية".

ويضيف أن إطالة أمد الحرب "تخدم مصلحة حماس من خلال إقناع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية بأن الحركة تدافع عن القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني والهوية الفلسطينية، ولذا فإن الحرب قد تؤدي إلى نتائج عكسية: فبدلا من أن تُهزم حماس، فإنها من الممكن أن تخرج من الحرب أقوى سياسيا واجتماعيا رغم فقدانها آلاف المقاتلين".

المصدر: https://www.bbc.com/arabic/articles/c9eer0kj1j3o

Similar Posts